"(1959-...) كاتب روائي من مواليد بورسعيد، درس الهندسة البحرية بجامعة قناة السويس، ونال ماچستير العمارة البحرية من جامعة نيوكاسل ببريطانيا، ثم ماچستير إدارة الأعمال من جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس. تنقَّل بين العديد من دول العالم مثل الجزائر وهولندا وبريطانيا والولايات المتحدة والإمارات، كتب القصص القصيرة وله ثلاثة أعمال منشورة، هي: كتاب في أدب الرحلات ""عشرون مدينة في أربعين عامًا""، و""عم جاد بيَّاع العيش"". صدر له عن مركز المحروسة للنشر: ""رؤى وروايات""، و""زيارة لظِلِّ شجرة""، كما كتب الرواية و له ثلاثة أعمال: ""تسالونيكي""، ""مسبار الخلود""، ""عودة عوليس""."
"كتب العالم البروفايلي، أن «مسافر بلا حصان» أو «سامح»، أو «عوليس بن چويس»- شخصيَّة وإن كانت مريضةً نَفسيًّا إلَّا أنها عبقرية من حيث الذكاء، وأن قُدرَتها على التَّسلُّل والتَّخلُّل في شخصيات البيئة من حوله أو حتى في الشخصيات التي يتقمَّصها- كُلُّها أَدِلَّة على العبقرية والحِدَّة في السيطرة على المحيط بذات المتهم". عوليس -كما يرسمه "العصفوري"- بدون مراوغَةٍ... هو بطل الأسطورة الرومانية أو اليونانية القديمة، أو ربما شخص من الزمان المعاصر المُعاش، مُصابٌ باضطرابٍ هُويَّاتي Multiple Personality Disorder: أحيانًا يَظُنُّ نفسه سامح (رَجُل أعمال)، أو ربَّما بطل شاشات السينما، في أحيان رابعة عوليس هو الأمريكي الأصلي "مسافر بلا حصان"، الشخصية المركزية تتنقَّل عبر الأزمنة والأمكنة بطريقة سحريَّة، أو ربما بسبب المرض النفسي. يقدِّم شريف العصفوري نَصًّا روائيًّا بتقنيَّة الواقعية السحرية؛ إذ ينسج الخيال والأسطورة في الحياة اليومية.
أحبَبتُ أُمِّي ليسَ كَمِثلِ ما أَحبَّ إنسانٌ أُمَّه، كانت هي كُلَّ عالَمي، أنا بِكريُّها، أوَّلُ أبنائِها الذُّكورِ، الأُمُّ الصَّعيديَّةُ شيءٌ آخَرُ ليسَت كَكُلِّ الأُمَّهات، الحَبْلُ السُّرِّيُّ الذي يربطُ الأُمَّ الصَّعيديَّةَ بِوَليدِها لا يَنقَطِعُ أبدًا، أنا مَربوطٌ بحَبلي السُّرِّيِّ إلى أُمِّي ما حَييتُ.
تَحَدَّى الزَّمَنَ في أَنْ يُحكِمَ قَبضَتَه عَلَى شَرِكَتِه وعَلَى العالَمِ لِمُدَّةِ خَمسَةٍ وأَربعينَ عامًا، خَرَقَ كُلَّ نواميسِ التَّلمودِ بِتَسليمِ شَرِكَتِه إِلَى ابْنَتِهِ المرأَة. بِداخِلِ ناثنيال ميزانٌ يَزِنُ نَظرَةَ الجُمهورِ والسِّياسِيِّين إِلَى قادَةِ الأَعمالِ ورُوَّادِ الصِّناعَةِ. إِنَّ واقِعَ الحالِ داخِلَ المؤُسَّسَةِ يَصنَعُ مِن الرُّؤَساءِ أَنصافَ آلِهَةٍ أَو أَبطالًا يونانِيِّين مِن العَصرِ القَديمِ، تَتَكاثَرُ حَولَهُم جُموعُ المُشَجِّعين المُتَهافِتِين، أَو تَتَراقَصُ في ظُلُماتِ رَدهَاتِ مَكاتِبِهم حَبائِلُ المَكائِدِ؛ للإِيقاعِ بِنَفسِ هَؤلاءِ أَنصافِ الآلِهَةِ أَو الأَبطالِ لِصالِحِ آخَرينَ.
درَّست لي فاليريا كل سيمفونيات سيرجي سيرجيفيتش بروكفيف، حكت لي أن الموهوب الروسي الذي عزف في عواصم العالم من لندن إلى برلين إلى باريس، واختار العودة النهائية ليعيش بموسكو في بناية ليست بعيدة عن الكرملين عام 1936 ليشهد بأعينه من دون أن يستطيع أن ينبس ببنت شفة ما فعله ستالين برفاقه من اللجنة المركزية وقادة الجيش والدولة ثم ببقية مواطنيه السوفييت، ألَّف بروكوفييف رائعته الحرب والسلام لتحكي رواية ليو تولستوي في غضون الأربعينيات، استنهاضًا للأمة الروسية في مواجهة النازية. كان بروكوفييف نجم الموسيقى الكلاسيكية الحي في الاتحاد السوفيتي قبل الحرب وبعدها تم توبيخه هو وموسيقيين آخرين بتهمة "الشكلية" ومعه الموسيقيان آرام خاشتوريان وديمتري شوستكافيتش، وأن موسيقاهم لم تعُد تعني أي شيء! وخالية من أي معانٍ "بنَّاءة" أو "اشتراكية" وتم حظر ثمانية من أعماله تمامًا داخل الاتحاد السوفيتي. تضحك فاليريا عندما كانت تحكي لتعرفني بأن نجمها بروكفيف مات في نفس يوم وفاة ستالين سنة 1953، وتقول أنه عندما صعد إلى السماء لا بد أن الملائكة أرغمت السفاح على الاستماع لموسيقى بروكفييف أيامًا طويلة حتى يتم الانتهاء من استقبال بروكفييف الاستقبال الملائكي الذي يليق به، بل إن أحد الملائكة قرر أن يعيد إذاعة الثمانية أعمال الممنوعة من الإذاعة والعرض بتوالٍ متواصل لعقاب ستالين.
يمكننا أن نلخص الحياة البشرية بين قوسين، القوس الأول هو الهجرة والقوس الثاني هو الانتظار، فإن كان الإنسان يسير في اتجاه أحلامه فإن تجربته تسير في اتجاه الأماكن والأزمنة التي يمر عليها، في الجزء الأول من خماسية الهجرة والذي يأخذ عنوانه من تجربة جيله المتجسدة في المهاجر سين الذي يروي حكايته المتسمة بالهجرة في كل ركن من أركانها نشهد حياة سخية في مدارات متلاقية من الفن والحرب والحب والسينما والهوية والانفتاح تعبر كلها عن تجربة شخصية تواقة ترغب دومًا في اكتشاف مناط وجودها وسر تفردها.
هاجر المصريون حديثا، وباضطراد منذ بداية النصف الثاني من القرن العشرين القرن، إولا سعيا وراء حياة معيشية أكثر رغدا، بالملايين هاجر المصريون مؤقتا للبلاد العربية، لكن هجرتهم كانت نهائية لكندا والولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا وأخيرا أوروبا، بعض المهاجرين كانوا يجرون وراء أحلامهم بالتحقق المهني والحرية الفنية والإبداعية، تجربة الهجرة تخص الإنسانية كلها، بسعيها للكمال والحركة، وتسلق قمم التحقق الذاتي والمهني في وجه تقاليد وموروثات من العنصرية والزينوفوبية، حاملا مشاكل البلاد القديمة وعقائدها وأفكارها متصادمة مع عقائد وأفكار الآخر، عبورا من فوق خنادق المحافظة في مواجهة الحداثة وما بعدها، مشكلات الهجرة من الإندماج إلى مقاومته وتشكيل "جيتو" خاص بالإثنية أو العقيدة وسط محيط متلاطم من الآخرين، أقليات وأكثرية، هناك أسئلة الفرد في مواجهة الجماعة، وموازنة النجاح المهني بمتطلبات الأسرة والأخلاق والسياسة، في مجتمعات كلها تصارع من أجل الحفاظ على بعض الثبات تشبثا أمام طوفان التغيير بسبب سقوط الحواجز وتقدم التكنولوجيا، بطل الرواية سينيمائي اقترب من "أرض الميعاد" السينمائية هوليود! فهل من حليب وعسل هناك؟